عندما هاجر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في بدايات الدعوة إلى الإسلام ,كان عدد المسلمين قليل جدا وكانوا ضعفاء , هاجروا وتركوا بيوتهم وأموالهم وتجارتهم وراءهم بسبب ما عانوه من أذى المشركين آنذاك وقصدوا مدينة يثرب التي تبعد عن مكة 400 كيلو متر.

عندما وصلوا الى يثرب والتي غير النبي اسمها إلى المدينة المنورة , كانت المدينة خليطا مجتمعيا رائعا يضم قبائل الأوس والخزرج وقبائل من اليهود , قام النبي صلى الله عليه وسلم بعمل مصالحة بين الأوس والخزرج اللتان كانتا في خصومات دائمة و اللتان شكلتا بعد ذلك ما يسمى الأنصار الذين ناصروا النبي في رسالته ودعموه بأموالهم وأنفسهم.

قام النبي ايضا بعمل آخر رائع وهو أن آخى بين المهاجرين الذين قدموا معه وبين الأنصار حيث أن كل رجل من الأنصار يقوم باقتسام ماله وبيته وما يملك مع رجل من المهاجرين.

لكن هناك رجل من المهاجرين قام برفض ذلك بكل لباقة ولطف وشكر الرجل الأنصاري على كرمه وبدل من ذلك طلب من الانصاري ان يدله على مكان السوق, كان هذا الرجل هو الصحابي الجليل (عثمان بن عفان) رضي الله عنه وأرضاه.

كانت لعثمان استراتيجية رائعة بدأ من خلالها تجارته من الصفر ودون أي مال تقريبا واستراتيجيته كانت عندما سئل عن سر ثروته التي قام بجمعها وهو لم يجلب معه ماله الذي تركه في مكة مثله مثل البقية الباقية من المهاجرين هي انه اجاب (كنت اعالج وأنمي ولا أزدري ربحا ولا أشتري شيخا وأجعل الرأس رأسين)5 أسباب رئيسية في ازدهار تجارة هذا المهاجر الذي بدأ من الصفر مرة اخرى.

أعالج وأنمي

قال كنت اعالج تجارتي واتتبع أخطائي واصلحها في وقتها ولم يكن يجعل الأمر للصدفة والحظ كان يرى الثغرات في أعماله ويصلحها أول بأول.

كل عمل تجاري في بدايته يكون مثل الطفل الرضيع الذي يحتاج للرعاية الفائقة والاهتمام الدائم , إن الانتباه للأخطاء المرتكبة منذ البداية هو الحل الوقائي الأول لأي عمل تجاري حتى لا تتفاقم تلك الأخطاء ويصعب بعد ذلك اصلاحها او بالأحرى تزداد تكلفة إصلاحها أكثر ,هذه الأخطاء تكون مثل كرة الثلج التي تتدحرج من المنحدرات الجبلية والتي مع الوقت لا يمكن الوقوف أمامها.

نعم انه الوقت , الوقت الذي كان يضيع في عدم اصلاح مشاكل العمل التجاري منذ بداياته الأولى , ان هذا الوقت كافي لقتل مشروعك في مهده وخسارة تجارتك التي كانت من الممكن أن تزدهر لولا الكسل او الجهل عن تتبع مسار الأعمال  وتحليل الاخطاء.

الجزء الآخر من السبب الأول لنجاح العمل التجاري هو (أنمي) ومعنى انمي هي أنه كان مع تتبعه وتحليله لتجارته كان في نفس الوقت يستثمر ما يجنيه من هذا العمل في تنمية أعماله , وذلك يأخذنا الى سبب مهم جدا وهو التطوير الدائم للمشروع ومواكبة ما يستجد على الساحة التجارية من فنون وحيل جديدة يمكن الاستفادة منها للتطوير والتحديث للأعمال التجارية ومن تلك الفنون التي يجب الانتباه لها هو التسويق الفعال الذي يستهدف الفئة الصحيحة من العملاء.

لا أزدري ربحا

عند ادارتك لعمل تجاري ستواجهك تقلبات سوقية وأزمات اقتصادية انت لست في منأى عنها لانك جزء من ذلك السوق , يطرح هنا (عثمان بن عفان) استراتيجية دائمة قوية لمواكبة تقلبات السوق وهي أنه مهما كان الربح قليلا فهو يقوم بالبيع , 

هو لا يفرض على أحد أن يشتري كمية معينة انه يبيع الكمية التي يريدها المشتري دون طمع منه وهذا يساعده في التجديد الدائم لبضاعته وعدم تكديسها وتخزينها طمعا في زيادة الربح , التخزين والتكديس طمعا لزيادة الربح في حد ذاته مخاطرة من الممكن أن يرتفع سعرها هذا صحيح ولكن من الممكن أن ينخفض أيضا  

انت لا تريد ان تبيع بضاعتك بخسارة أليس كذلك , إذا هذه استراتيجية رابحة تضمن لك الربح دائما ولو كان قليلا.

لا أشتري شيخا

هذه استراتيجية أخرى لمعرفة متطلبات السوق وما هي المنتجات الرابحة والمطلوبة الآن في الوقت الحالي ,فأنت لا ترمي أموالك بشكل عشوائي منتظرا الارباح الغزيرة لمجرد انك اشتريت منتج بسعر وتريد بيعه بسعر أعلى قليلا للربح.

انت تعرف بالضبط ماذا يريد العملاء تدرس السوق اولا واحتياجاته ,لا تشتري منتج قديم انتهى عهده ووقته وقد تم استبداله بشيء أكثر فائدة لابد أن تواكب السوق دائما وهذا يرتبط ارتباط شديدا بما قلناه سابقا من عدم تخزين المنتجات طمعا في زيادة الأرباح.

اجعل الرأس رأسين

إن جعل رأس مالك في منتج واحد او مصدر دخل واحد هو مخاطرة كبيرة جدا لأنه مع كل تلك الاحتياطات يمكن أن يحدث شيء ما خارج عن مخططاتك لذلك ينصحك الصحابي الجليل بعدم جعل الرأس رأس واحد أي رأس المال واجعل الرأس في شيئين على الأقل.

إنها استراتيجية معروفة ويطبقها الأثرياء قديما وحديثا لأنه من المعروف ان اسوء رقم في عالم الأعمال هو رقم (1).

هناك قصة للملياردير الشهير (ايلون ماسك) حيث انه واجه خيارا صعبا بعد الازمة المالية العالمية بأن يحتفظ بالمال ويخسر شركاته وتنهار أوان ينفق على واحدة ويترك الأخرى تواجه مصيرها ولكنه قرر قرارا شجاعا وهو أن ينفق على كلتيهما وفعلا نجحت الشركتان في الهروب من شبح الإفلاس 

وهذا مثال حي يؤكد نظرية جعل الرأس رأسين دائما في الأعمال التجارية.

إن عالم الأعمال بحر كبير من المعلومات وأنت عندما تخوض غمار الأعمال التجارية لابد لك من استخدام استراتيجيات مثبتة وفعالة تكون مثل السفينة التي تبحر بها في هذا البحر الواسع والتي تقودك لهدفك بوضوح.